الاقتصاد السياسي النسوي - الماضي والمستقبل

الاقتصاد السياسي النسوي - الماضي والمستقبل

التحرير: شيرين إم. راي وجورجينا وايلن
الترجمة والتعريب: محمد عبدالعزيز عطية



نشر أصل هذا المقال باللغة الإنجليزية في كتاب (آفاق جديدة للاقتصاد السياسي النسوي - تحرير شيرين إم. راي وجورجينا وايلن - الكتاب باللغة الإنجليزية)


المقدمة

في هذه الجزئية، يتم التركيز على إنجازات دراسات الاقتصاد السياسي النسوي والتحديات التي تواجه هذا المجال خلال القرن الواحد والعشرين. إن الأزمة الحالية تسلط الضوء مرة أخرى على علل النماذج المسيطرة. منذ العام 2008، ظلت معدلات البطالة مرتفعة، واستمر العجز غير المسبوق في الميزانيات الوطنية، وتزايد تركيز رؤوس الأموال في قطاعات مثل التصنيع والتمويل فقط، هذا بالإضافة إلى غياب فكرة محددة حول مدى تفاقم الأزمة في المستقبل. من المؤكد أن هنالك درجة من التباين في طبيعة ومستوى التأثيرات المترتبة على هذه الأزمة، هنالك أشخاص ومجموعات تطالهم الآثار بشكل أكثر شدة من غيرهم. فضلاً عن ذلك، فتحت هذه الأزمة فرص إعادة صياغة وإلغاء مفاهيم الحماية الاجتماعية (الضمان/الرعاية الاجتماعي) عبر تعليل ذلك بضرورة إجراء التقشف وتطبيق السياسات المالية الرشيدة. إن أضعف حلقات المجتمع هي التي تتحمل أسوء النتائج. طرحت سينثيا إيلنو في العام 1989 سؤالاً حول السياسة على المستوى العالمي لا يزال ذو أهمية محورية حتى الآن، حيث قالت: "من المفيد دوما طرح سؤال (أين النساء؟)، والإجابة على هذا السؤال تكشف اعتماد أغلب الأنظمة السياسية والاقتصادية ليس فقط على النساء وإنما على أنواع محددة من العلاقات بين الرجال والنساء." - (الصفحة 133). تهدف فصول هذا المجلد إلى طرح هذا السؤال والسعي للإجابة عليه، وذلك عن طريق تسليط الضوء والتفكير النقدي في الجوانب الهامة للاقتصاد السياسي بُغية تفكيك السرديات والخطابات المسيطرة حول الاقتصاد والتنمية على مستوى الدراسة العلمية المتخصصة من جهة والممارسة العملية من الجهة الأخرى.

يستعرض هذا العمل الأفكار الهامة فيما يتخص بالاقتصاديات النسوية، والاقتصاد السياسي النسوي، والتحليل النوعي (الجندري) للتنمية – بالرغم من أن هذه المجالات الثلاث ذات صلات مترابطة ببعضها البعض، إلا أن الواقع يظهر أن هنالك نوع من القطيعة أو التفرقة. كما أن هذا العمل يسلط الضوء على النقاشات والآراء الرئيسية في هذه المجالات الثلاث عبر النظر بشكل عميق، والتفكر، والاحتفاء بأعمال إثنين من رائدات العمل العلمي والبحثي النسوي (ديان إلسون وروث بيرسون)، وذلك نظراً للمجهودات المشتركة والمنفردة التي قامت على أيديهن في هذه المجالات. إن أعمالهن في الدراسة والبحث الأكاديمي، المنجزة على صيغة مشتركة أو منفردة على حد سواء، تقدم البرهان الواضح على إمكانية الجمع بين هذه المجالات (أو وجهات النظر) الثلاث بشكل نقدي وبناء، وذلك بهدف فهم الأزمة الاقتصادية العالمية تحديات التنمية في القرن الواحد والعشرين بشكل أفضل. في هذا الفصل التقديمي، سوف نستعرض بشكل نقدي تطور هذه النقاشات والآراء محل الدراسة وذلك بهدف دراسة ورصد أثر هذه النقاشات والآراء على تطورهن على المستوى الفكري (الثقافي) والسياسي باعتبارهن ناشطات ومثقفات في الحياة العامة. بالإضافة إلى ذلك، سنقوم باستعراض (4) أربعة مجالات بحثية رئيسية في سياق الدراسات البحثية النسوية بهدف توضيح أهمية المساهمات النسوية في النقاشات في مجال الاقتصاد السياسي.

محطات هامة في رحلة تطور النسوية – من التحليل النوعي (الجندري) للتنمية إلى الاقتصاد السياسي النسوي

إن الأعمال الهامة لدايان إلسون وروث بيرسون تحت الدراسة في هذا العمل تعكس وتبني على ما قمنا بالإشارة إليه في المقدمة. أولاً، يعتبر التطور الفكري والمساهمات القيمة لكل من دايان إلسون وروث بيرسون بمثابة خير مثال على تطور مجال دراسات الاقتصاد السياسي النسوي بشكل عام بدأً من جذور الاقتصاد السياسي النسوي الأولى التي نشأت في أوساط النسوية الاشتراكية، حتى ظهور التحليل النوعي للتنمية باعتباره مجال فرعي من مجالات دراسات التنمية. الآن يمكننا القول أن مجالات مثل الاقتصاد السياسي النسوي والاقتصاديات النسوية أصبحت مجالات فرعية معترف بها. وذلك يشابه ما نراه اليوم من تكامل وربط شامل بين مجالات أخرى ذات صلة مثل مجالات دراسات سلاسل الرعاية العالمية، والهجرة، والسياسات الاجتماعية. هذا التطور يعكس ويندرج تحت طائلة التغييرات التي طرأت على مستوى العالم بوجه عام. حدث تسارع في وتيرة العولمة خلال العقود القليلة الماضية بعد أن تم الاعتراف به ووضعها تحت الدراسة والتمحيص من قبل الأكاديميين والباحثين، وصناع السياسات، والسياسيين. كنتيجة لذلك، أصبح من غير الممكن أن نفصل التحليل النوعي للتنمية الذي يركز على منطقة الجنوب من العالم، يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار الجزء الشمالي من العالم في أعمالنا الدراسية والتحليلية بأشكال متكاملة. وفقاً لذلك، إنه لمن المهم الآن أكثر من أي وقت مضى أن نتحدث عن الاقتصاد السياسي العالمي بدلاً عن مجرد دراسات التنمية. ثانياً، قامت روث بيرسون ودايان إلسون ببذل مجهودات كبيرة في سياق أعمالهن الأكاديمية، والدراسية البحثية، نشاطهن العام لتوضيح الروابط الواضحة والقوية بين النسوية كما تم توضيحها في الدراسات البحثية والمدارس الفكرية من جهة، والنسوية كممارسة سياسية في العالم الحقيقي (علماً بأن مجال الدراسات النسوية لطالما ظل مجالاً دراسياً وبحثياً أكاديمياً يقوم على صيغة مركزية هي صيغة النقد والعمل النقدي).

بغرض تسليط الضوء على مجمل هذه النقاشات والحوارات، من الهم أن يتم نقاش الامر من الجهتين (الدراسية والسياسية) بشكل مفصل. حصلت كل من دايان إلسون وروث بيرسون على التدريب للعمل في المجال الاقتصادي خلال السبعينات من القرن الماضي، كما أنهن نشأن في بيئة نسوية إشتراكية قوية، إن لم نقل بيئة نسوية ماركسية، في وقت كانت فيه القوى الاجتماعية الاشتراكية والماركسية ذات وجود قوي في الأوساط النسوية في المملكة المتحدة (بريطانيا). إن الجذور الاشتراكية واضحة وبيّنة. نضيف إلى ذلك أن دايان وروث سجلتا حضور فعال في مؤتمر الاقتصاديات الاشتراكية. كانت روث عضوة مجموعة (الجنس والطبقة)، كما أن دايان كانت قد كتبت، على سبيل المثال، حول التنظير الماركسي في الاقتصاد في مسائل نظرية مثل مسألة قيمة العمل (إلسون، 1979). وباعتبارهن نسويات اشتراكيات، فقد قدمتا مساهمات مقدرة في الدفع بالحركة النسوية الاشتراكية التي نشطت في نقد للكثير من التنظير والممارسة السياسية الماركسية التي تتجاهل النوع (الجندر)، وشمل النقد تسليط الضوء على إغفال التنظير والممارسة السياسية الماركسية للأدوار الهامة التي يلعبها العمل المنزلي، وتوضيح أن انعتاق وتحرر النساء لن يتحقق كنتيجة آلية ومباشرة لاسقاط الرأسمالية (مولونيو 1979؛ باريت 1981؛ وهارتمان 1981).

كنتا عضوتين بارزتين في المجموعة الشهيرة التي تسمى مجموعة (خضوع النساء/SOW)، وقد كانت تحت رعاية (معهد دراسات التنمية/IDS) في جامعة ساسيكس خلال الفترة من 1976 إلى 1978، كما شاركتا في مؤتمر المجموعة الذي انعقد في المعهد في عام 1978، وقد تمكنتا من بتطوير مجال دراسي بحثي متعدد التخصصات قوامه توظيف النظرة نسوية اشتراكية لفحص ودراسة التنمية والتغيير الاجتماعي (يونق، وآخرين، 1987). إن الحديث حول منجزاتهن هنا يتمحور حول مساهماتهن في بناء وتنمية النقاشات المحورية حول النوع (الجندر)، والتنمية، والانتاج، والصحة الانجابية. وتعتبر هذه النقاشات ذات أهمية محورية منذ ذلك الوقت حتى اليوم. عبر هذه المساهمات، شهدت هذه الفترات التاريخية تطورات في الاقتصاد السياسي النسوي من الممكن أن تعتبر بمثابة نقلات نوعية حدثت نتيجة استخدام "عدسة" جندرية (نوعية) لفصح وتحليل نظريات، وسياسات، وممارسات التنمية. وكنتيجة لهذه التطورات، ظهرت التوجهات نحو الدراسات المتخصصة في مجال (النوع والتنمية/الجندر والتنمية/GAD)، والتي قامت بنقد نظرية التنمية الليبرالية بالإضافة إلى نقد التمظهرات التي نتجت عن التنظير الليبرالي في مجال التنمية مثل ما يعرف بمفهوم (النساء في التنمية/WID) الذي تطور وازدهر بعد نشر أعمال بوسيروب الرئيسية في العام 1970 التي. تمثل النقد في المحاججة في اتجاه تغليط الفرضية التي تقول أن النساء قد تم التخلي عنهن فيما يختص بالتنمية وتقديم فرضية أن النساء قد تم بالفعل تضمينهن واصطحابهن في عملية نشر الرأسمالية العالمية (الدولية) عبر طرق مبنية على النوع (الجندر) تؤدي إلى فرض واقع استغلالي في أغلب الحالات (بينيريا وسين 1987؛ كابير 1994).

كان عمل دايان وروث في سياق مجموعة اخضاع النساء/SOW هو ما أدى إلى تطوير الحجج والنقاشات التي قامتا بشرحها وتفسيرها في أطروحتهن التي تحمل العنوان: "الأصابع الرشيقة"، والتي نشرت لأول مرة كورقة نقاش تحمل الرقم (150 1980) في معهد دراسات التنمية/IDS. ذلك بالإضافة إلى مساهماتهن القيمة المتمثلة في المجلد الرئيسي الذي خرج كنتيجة للورشة وأعمالهن ضمن في (Feminist Review) (إيلسون وبيرسون 1980، 1987-أ، 1987-ب). قدمن حجج مفادها أن التنمية المبنية على عمليات التصدير التجاري والمتجذرة فيه، والتي كانت في ذلك الوقت مرتكزة على ما يعرف بمناطق الصادر التي تحتوي على مصانع منتجات التصدير، قد اعتمدت بشكل كبير على العمل ذو الأجر رخيص الثمن الذي تقدمه النساء في هذه المصانع، والذي لا يتم الاعتراف به في الدراسات الحديثة في هذا السياق. وعبر توظيف تحليل نوعي (جندري) يستصحب معه المزج بين تخصصات مختلفة ويركز على الطرفين الفاعلين ومساحة التحرك المتاحة لهم، قدمن حجج أخرى مفادها أن نشاط رأس المال العالمي، الذي يتمظهر على وجه التحديد في شكل الشركات متعددة الجنسيات التي تعمل داخل الاقتصاديات ذات الدخل المتدني في دول العالم الثالث، يتم بناء على المعايير والأنماط النوعية (الجندرية) الموجودة مسبقاً والتي تضع النساء في موضع العمال أو الشغيلة الخاضعين المطيعين. إن توظيف النساء في مصانع الصادر من الممكن أن يؤدي إما إلى تكثيف أو تفسخ بعض المعايير والأنماط النوعية (الجندرية) الموجودة التي قد تشمل سيطرة الأباء على موضوع زواج الإبنة، على سبيل المثال، أو في بعض الحالات قد تؤدي إلى إعادة صياغة نفس المعايير والأنماط في قوالب وطرق جديدة.

منذ ذلك الوقت حتى الآن، أظهر تطور أعمال الباحثتين ارتباط متواصل مع هذه التدخلات المبكرة التي تعرضنا لها، كما أن أعمالهن ترشد إلى الطريق الذي اتخذه مجال دراسات الاقتصاد السياسي النسوي للتطور والتمدد والنمو في اتجاهات متعددة. قامت كل من دايان إلسون وروث بيرسون بتقديم مساهمات ذات أهمية جوهرية في مجال التحليل النوعي (الجندري) للتنمية وذلك عبر فتح الباب لمزيد من المجهودات والصيغ المناسبة لدراسة وتحليل مجال التنمية بشكل عام ومجال النوع والتنيمة (الجندر والتنمية) بشكل خاص. تم توضيح هذا الأمر بشكل عام في مجموعتهن الرئيسية التي تم تحريرها تحت عنوان: (Male Bias in the Development Process/التحييز الذكوري في عملية التنمية) (إلسون 1995-أ(. وقد تم تحرير هذه المجموعة من الاعمال من قبل دايان إلسون بالاشتراك مع (Feminist Vision of Development/رؤى نسوية للتنمية) التي كانت كانت تشرف على تحريرها روث بيرسون مع سيسيل جاكسون في 1998 (جاكسون وبيرسون 1998). تم إعادة تقييم الطورات الأخيرة في كل من المجلدين (على سبيل المثال "إعادة زيارة مؤلف بيرسون الأصابع الرشيقة من العام 1998")، حيث تم في هذا العمل توضيح الحالة الراهنة لمجال الدراسة وتحريك النقاشات بشكل كبير في قضايا مثل فهمنا لمسألة المنزل، والفقر، والنقاشات النظرية الرئيسية حول معنى النوع (الجندر).

كما أن دايان إلسون معروفة أيضاً بأعمالها في سياق سياسات الاقتصاد الكلي بشكل عام بالإضافة إلى تحليلاتها الرائدة للتكييفات والتغييرات الهيكلية وبرامج التكييف الهيكلي (SAP) (إلسون 1989، 1991، 1992). لقد قامت بانتاج أول محاولات تحليل كيف أن برامج التكييف الهيكلي التي تم تطبيقها في كثير من دول العالم الثالث خلال فترة التسعينيات كانت ذات طبيعة نوعية (جندرية) بشكل كبير بالرغم من استخدام اللغة المحايدة نوعياً (جندرياً). ظهر ذلك في أن المشاريع لديها تأثيرات مختلفة بين الرجال والنساء في سياق أدوارهم الانتاجية وأدوار الانجاب، كما أنها تضع المسئولية على كاهل المرأة وعملها وقدرتها على رعاية المنزل في ظل الأزمة الاقتصادية وما يصاحبها من متاعب (إلسون 1994، 1995-ب، 1995--ج). كما أن دايان استطاعت أن تلعب أدوار محورية في تطوير آليات الميزانيات النوعية (الجندرية) باعتبارها آليات لانتقاد مفاهيم الميزانية بالإضافة إلى تحسين سياسات الضرائب والانفاق كما سنرى أدناه (إلسون 1998-أ، 2006-أ؛ إلسون وشارب 2010).

اتخذت روث بيرسون طريقاً ذو صلة ولكن يحمل أوجه اختلاف في دراساتها التالية، حيث قامت بالتركيز بشكل خاص على الأوجه المختلفة لعمل النساء والروابط بين الانتاج والانجاب/الصحة الانجابية في سياقات مختلفة. ظهرت اختلافات واضحة في هذا الأمر بين القطاعات المختلفة، مثل قطاعات تقانة المعلومات أو التصنيع في مواقع محددة مثل التصنيع في مناطق المكسيك (بيرسون 1985، 1993، 1995، 2004-أ، 2007-أ، 2010). هذا بالإضافة إلى بالأدوار الاجتماعية المرتبطة بالانجاب وعلاقة ذلك بالسياسة الاجتماعية (بيرسون 1997، 2000-ب؛ رازافي وأخرين 2004). مؤخراً، قامت بفحص الطبيعة النوعية (الجندرية) للهجرة حيث قامت بدراسة النساء المهاجرات من بورما للعمل في المصانع في تايلاند (كوساكاب وبيرسون 2010؛ بيرسون وكوساكاب 2012-أ، 2012-ب). كما أنها قد قدمت مساهمات ذات أهمية رئيسية في تسليط الضوء على وترويج القضايا المتعلقة بقواعد السلوك والمسئولية التي تقع على عاتق الشركات متعددة الجنسيات فيما يختص بشكل خاص بمعايير ومقاييس العمل وظروف/شروط التوظيف (بيرسون وسيفانق 2001؛ جينكينس، وبيرسون، وسيفانق 2002؛ بيرسون 2007-ب). تبع ذلك التدول والنقاش على مستوى العالم حول مفهوم المسئولية المجتمعية للشركات. بالإضافة إلى ذلك، قامت بأعمال مميزة تقوم فيها بتحليل العرق، والطبقة، والنوع (الجندر) في النشاط النسائي وذلك عبر المقارنة بين اثنين من الخلافات الصناعية المهمة في قرونويك خلال نهاية السبعينيات وقيت قورميت في بريطانيا خلال بداية القرن الواحد والعشرين. قامت بشكل مشترك بنشر سلسلة من المقالات مع فريقها البحثي تشرح فيها وجهة نظرها التي ميزت أعمالها الأكاديمية بشكل عام خلال فترة عملها المهنية بأكملها (انظر في أنيثا وآخرين، 2012).

مثل الكثير من النساء الأكاديميات من بنات جيلهن، تعرضت كل إلسون وبيرسون لتحديات قوية في السياق الأكاديمي، إلا أنهن استطعن أن يمهدن الطريق للنسويات الأكاديميات من بعدهن اللاتي كن يواجهن مشكلة عدم الاعتراف بهن كاقتصاديات في المؤسسات. فضلاً عن أن الكلمات والمصطلحات التي كن يستخدمنها في دراساتهن لم تكن معترف بها كجزء من المجال الدراسي البحثي، وقد حدث ذلك باعتبارهن نساء في الأوساط الأكاديمية وقد تم التفرقة ضدهن بناء على ذلك. كما أن علم الاقتصاد باعتباره مجال دراسي بحثي ظل يرفض بشكل كبير اعتماد التحليلات والتنظير الاقتصادي غير التقليدي. لذلك بالرغم من مجهودات الكثير من الاقتصاديات النسويات، أدى هذا الضيق في الأفق لعدم الاعتراف بجدوى التحليل النوعي (الجندري) وعدم تقييمه إلا باعتباره فقط فصل جنسي للمتغييرات مثل الأجور والتوظيف. وبكلمات عملية أكثر، كل من إلسون وبيرسون، بالإضافة إلى الكثير من الأكاديميات النسويات من بنات جيلهن، واجهن المعاناة في الحصول على فرص عمل دائمة بالإضافة للاعتراف المؤسسي باعتباره حق من حقوقهن. بالرغم من ذلك، في العام 1986، تم تعيين دايان إلسون في وظيفة محاضرة في قسم الاقتصاد في جامعة مانشيستر، وقد تم ترقيتها لاحقاً لتحصل على درجة الأستاذية وأصبحت بروفيسورة في الدراسات التنموية/دراسات التنمية. كما تم تعيين روث بيرسون في وظيفة محاضرة في دراسات التنمية في جامعة شرق أنجليا في نورويش في العام 1988، وقد كانت في ذلك الوقت أستاذة بروفيسورة النساء والتنمية في معهد الدراسات الاجتماعية في هولندا من العام 1996 إلى العام 1998. ختمت كل منهن حياتها العملية في مواقع تبعث على الفخر، حيث كانت إلسون أستاذة بروفيسورة في علم الاجتماع (سوسيولوجي) وحقوق الإنسان في جامعة إسيكس وبيرسون كانت أستاذة بروفيسورة في التنمية الدولية في جامعة ليدز. كما أنهن كانتا نشيطتان في الكثير من المنظمات المهنية، في الجمعية الدولية للاقتصاد النسوي/IAFFE على سبيل المثال، والتي تم تأسيسها في العام 1992 لتطوير وزيادة التفكير والتنظير النسوي في مجال الاقتصاد بالإضافة إلى المجلة العلمية التي كانت تتبع للجمعية تحت اسم (Feminist Economics) والتي كانت تعتبر منتدى تفاعلي لتبادل النقاش والحوار حول وجهات النظر الاقتصادية – تم نشر أول عدد من المجلة في العام 1994. وباعتبارهن اقتصاديات نسويات رائدات، تموضعت آراء ونقاشات إلسون وبيرسون على أعلى هرم هذه النقاشات والحوارات حول الاقتصاد باعتباره مبني على بنية ومؤسسات نوعية (جندرية) وأهمية الحقوق الاجتماعية والسياسية (إلسون 1998-ب، 1999، 2000، 2002-أ؛ إلسون وقدوين 2004)، هذا فضلاً عن الدور الانجابي والصحة الانجابية وتأثيرها على الانتاج (بيرسون 2000-أ، 2000-ب؛ بيرسون وكوساكاب 2012-ب).

عطفاً على ذلك، الانجازات الأكاديمية والفكرية لإلسون وبيرسون بالتأكيد لديها روابط قوية ولا يمكن فصلها عن حياتهن باعتبارهن ناشطات ومثقفات في الحياة العامة – يعتبر هذا الأمر ذو أهمية مركزية بالنسبة للنسوية التي تطورت بمجهوداتهن. إن الربط النقدي بين حياتهن الفكرية وعملهن باعتبارهن ناشطات في الحياة العامة أخذ أشكال متعددة يتكامل كل منها مع الآخر بشكل بناء. لعبت كل من بيرسون وإلسون أدوار هامة في المنظمات التي كانت متواجدة بالقرب من أماكن سكنهن. تعتبر كل من دايان إلسون وأنجيلا هايل ضمن العضوية المؤسسة للمنظمة غير الحكومية الرائدة (Women Working Worldwide/النساء العاملات في العالم)، والتي قامت بالحملات المتخصصة في أوضاع، وشروط، وحقوق التوظيف والعمل للمرأة في العالم الثالث بشكل رئيسي لمدة 30 عام – مقر المنظمة في مانشستر (www.women-ww.org/). بالإضافة إلى ذلك، وزيادة على مجهوداتها البحثية في التوظيف، والعمل، والاستدانة بالنسبة للنساء، كان لروث بيرسون مشاركات طويلة الأمد مع مبادرات توظيف وتشغيل النساء، حيث استطاعت عبر ذلك انشاء مشاريع الاستدانية الأصغر (التمويل الأصغر) مثل (Full Circle و Women Employment, Enterprise, and Training Unit WEETU) في نورويش في المملكة المتحدة (http://www.linkedin.com/company/weetu)، ومع (Home Workers Worldwide: www.homeworkersww.org.uk) وهي منظمة مقرها في ليدز وهدفها المطالبة بحقوق العمل المنزلي (العمل المبني على المنزل الذي يكون عادة مسئولية النساء) حول العالم (بيرسون 2001، 2004-ب).

في حين أن الناشطين قد قاموا بنقل تجربة آليات وضع الميزانيات التي تراعي النوع (الجندر) التي تم الاشارة إليها هنا أعلاه إلى مستوى المبادرات العالمية على سبيل المثال من كندا إلى المكسيك، ومن الفلبين إلى جنوب إفريقيا، كانت كل من بيرسون وإلسون عضوات نشيطات في مجموعة الميزانية النسائية البريطانية (Women Budget Group WBG)، وهي "منظمة مستقلة تجمع الأفراد من المجال الأكاديمي، والمنظمات غير الحكومية، والاتحادات النقابية للترويج للمساواة النوعية (الجندرية) عبر السياسات الاقتصادية الصحيحة". إنها تطرح السؤال: "أين تذهب الموارد؟ وما هي نتائج وأثار طريقة توزيع الموارد على المساواة النوعية (الجندرية)؟"، كما أنها تركز على الأثر الممكن للانفاق الحكومي والضرائب على حياة النساء اليومية، بالذات النساء اللاتي يعانين من الفقر. تهدف مجموعة الميزانية النسائية/WGB ليس فقط إلى تشجيع الحكومة بل إلى مساعدة الحكومة في استخدام التحليل النوعي (الجندري) لتحسين عملية صناعة السياسات الاقتصادية (www.wbg.org.uk). أما على المستوى الدولي، عملت كل من إلسون وبيرسون في منظمات دولية ومنظمات غير حكومية. عملت إلسون لمدة سنتين بدوام كامل مع صندوق التنمية للأمم المتحدة للنساء (UNIFEM) في نيويورك خلال نهايات التسعينيات، حيث ظهر تأثير ذلك في نسختها الأولى من (Progress of the World’s Women) في العام 2000؛ كما أنها حرصت على أن يعمل الصندوق على دعم مبادرات الميزانيات الحساسة تجاه النوع (الجندر). تخدم إلسون حالياً في منصب في المجلس الاستشاري في (Progress of the World’s Women 2014). عملت بيرسون (2004-أ) بشكل مكثف مع معهد الأمم المتحدة لأبحات التنمية الاجتماعية (UNRISD) حول مواضيع الانتاج المبني على التصدير والسياسات الاجتماعية (رازافي وآخرين، 2004). والآن هي محررة مشاركة في مجلة أوكسفام للنوع (الجندر) والتنمية (Oxfam Gender and Development Journal). قامت كل من دايان إلسون وروث بيرسون بتقديم العديد من الأعمال الاستشارية لعدد كبير من المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية – يصعب الإشارة إلى كل هذه المجهودات الضخمة هنا.

بالنظر في المساهمات المتضمنة في هذا المجلد، سنجد أن الموضوعات الرئيسية للانتاج النوعي (الجندري) والأدوار الانجابية، بما فيها تداخلاتها وتأثيراتها على السياسات، سواء كانت سياسات الميزانيات القومية (الوطنية)، أو السياسات الاجتماعية وما يتعلق بالمنزل، وسياسات الاقتصاد الكلي، ومؤخراً سياسات التعامل مع الأزمة الاقتصادية، قد تم استصحابها وأخذها بعين الاعتبار على يد كل من روث بيرسون ودايان إلسون في عملهن الدراسي البحثي ونشاطهن في الحياة العامة – وكان لذلك أثر عظيم على تطور مجال الاقتصاد السياسي النسوي بكافة أشكاله وتمظهراته (وايلن 1997؛ كوك وآخرين 2000). أدناه، سنقوم بالغوص بشكل أعمق في الأعمال التي ساهمت كل من إلسون وبيرسون في تطويرها سواء كان ذلك عبر العمل بشكل مشترك أو منفرد، وذلك بغرض استنباط واستنتاج أهمية مساهماتهن في مجال الاقتصاد السياسي النسوي.

استناداً على أصعب المعايير، من الممكن أن تعتبر الأعمال التي أُنجزت على يد كل من روث بيرسون ودايان إلسون الركيزة التي تستند عليها اليوم كمية معتبرة ومتقدمة من الدراسات والأبحاث في المجالات البحثية الأربعة الرئيسية للاقتصاد السياسي النسوي – والتي تم التعامل معها وتوضيحها في هذا المجلد. المجال الأول يختص بفهم الاقتصاديات باعتبارها ذات بنية نوعية (جندرية) والأزمات الاقتصادية باعتبارها أزمات في سياق الأدوار الانجابية (التناسل والتكاثر) مثلما هي أزمات في السياق المالي والانتاجي؛ والمجال الثاني يختص بتقييم السياسات الاقتصادية عبر استخدام عدسة حقوق النساء؛ والمجال الثالث يختص بتحليل التحولات على المستوى العالمي (الدولي) في العمل النسائي (عمل النساء)؛ والمجال الرابع يختص بتسليط الضوء على اقتصاد العمل غير المدفوع والذي يتضمن أعمال الرعاية التي تقدم للعائلة والمجتمعات، كما يشمل ذلك نقد الطرق التي يتعامل بها صانعي القرار مع هذه الاقتصاد المبني على العمل غير المدفوع (أو فشلهم في التعامل معه).

الاقتصاديات النوعية (الجندرية) والأزمات

إن فهم وتفسير الاقتصاديات باعتبارها بنيات نوعية (جندرية) والأزمات الاقتصادية باعتبارها أزمات في سياق الأدوار الانجابية (التناسل) الاجتماعي، مثلما هي أزمات في السياق المالي والانتاجي، من الممكن أن يعتبر أحد أهم منجزات ومساهمات مجال الاقتصاد السياسي النسوي الذي قدمت له كل من دايان إلسون وروث بيرسون مساهمات ذات أهمية محورية. شمل ذلك ليس فقط ربط الدول بالأسواق، بل أيضاً ربط الانتاج بالأدوار الانجابية (التناسل). من ملاحظات عمل رايلي (2008: 1(: "الاقتصاد السياسي النسوي واحد من مجالات الاقتصاد الابتداعية غير الاعتيادية، كما أنه يقوم بفرض التحدي على نموذج الاقتصاد النيوليبرالي التقليدي المسيطر الذي يركز على اقتصاد السوق ويحدد النمو والتراكم كأهداف رئيسية. في الجهة الأخرى، وبعد المقارنة، نجد أن الاقتصاد السياسي النسوي يركز على تأمين وتوفير الاحتياجات الإنسانية وتحقيق الرفاه البشري."

إن النقد الاقتصادي السياسي النسوي للتنمية قد بُني على أعمال سابقة – الأعمال التي قامت بالإشارة إلى غياب النساء من عمليات التنمية مما أدى إلى اختلال السياسات (بوسيروب 1970) – وقد ساهم في تطوير التحليلات الماركسية التي تفيد بأن عمل النساء يؤدي إلى مراكمة رأس المال (ماكنتوش 1981)، كما أنه أشار إلى كيف أنه عدم محاسبة النساء على العمل المنزلي قد جعلهن يصبحن معتمدات على الرجال مما أدى إلى نمو نموذج العمل الأسري الذي يمنح الرجل الحق الكسبي وحق إدارة المنزل (وارنق 1988)، كما أن هذا النقد قد قدم الحجج التي تقول أن هنالك تحيُز ذكوري من جهة الرجال في مجال التنمية تم دعمه بشكل مؤسسي عبر السياسات وأطر العمال الحكومية وغير الحكومية إلسون 1995-أ، 1995-ج). جنباً إلى جانب مع اقتصاديات نسويات أخريات، قامت كل من إلسون وبيرسون بالإشارة إلى أن وجود سلال الانتاج العالمية والاقتصاد المبني على التصدير قد أدى إلى ظهور مزيد من فرص العمل للنساء، لكنها أعمال غير آمنة، وبها مخاطر، وذات أجر زهيد، وضعيفة  التنظيم (بيرسون وسيفانق 2001؛ إلسون وبيرسون 1981-أ، 1981-ب؛ بيرسون 1998). في التحليلات المتعمقة في الأزمة الاقتصادية، تم تقييم ما نعرفه مسبقاً بشكل غير سليم ومبالغ فيه: تم القول أن عدد النساء ذوات الأصول الأمريكية الإفريقية واللاتينية في الولايات المتحدة قد تم منحهن الكثير من الرهانات العقارية مما ساعد في بدأ أزمة 2008 المالية (المجلس الوطني للنساء الزنجيات/National Council for Negro Women 2009؛ انظر أيضاً لابارون وروبيرتس 2010)، كما أن إعادة توزيع منازل الرهن العقاري يؤدي إلى مشاكل وآثار سلبية في قدرة النساء على التعامل مع حالات ضياع وفسخ العلاقات (نيتلتون 1989)، كما أن التغييرات في أنماط التوظيف والاستهلاك يتم تمويلها من قبل نساء يعملن بشكل مضني داخل البيت وخارجه (موسر 1989)، بالإضافة إلى أن تغيير مواقع وأماكن الانتاج يحمل آثار ذات طبيعة نوعية (جندرية) في سياق البطالة وعدم وجود فرص العمل. خلال الأزمة الاقتصادية، تكون النساء العاملات أكثر عرضة لخسر عملهن أو تقليل أجورهن. فضلاً إلى أن تقليل الخدمات العامة يؤثر على النساء بشكل عميق من حيث أنهن عاملات رئيسيات في مجال الرعاية في السياق المنزلي وأنهن قد يتعرضن لمشاكل الدين والاستدانة عندما تصيبهن المعاناة في سبيل اطعام الأسرة حين تشتد زيادة أسعار انتاج الطعام. إن صبغ الصبغة المالية على الاقتصاد الدولي قد أدى إلى تزايد وتيرة الأزمات وتزايد مشاكل النساء (فيشواناثان وآخرين 2011: 24).

سوف نقوم بمتابعة وفحص التفسيرات البايولوجية للأزمة المالية للعام 2008 التي حلت محل التحليل الصام والدقيق للاقتصاد السياسي النوعي (الجندري). تفيد هذه التفسيرات بأنه إذا كان هنالك تمثيل للمزيد من النساء في مواقع التداول المالي، كان سيكون من الممكن التعامل مع خطر الأزمة ومواجهة الانهيار نظراً في حد تعبيرهم إلى أن النساء يتعاملن بشكل أفضل مع المخاطر. بدلاً عن نقد وتحدي النماذج الذكورية المسيطرة على مستوى السياسات الاقتصادية الكلية، نرى أنه تم تكوين هذه النوعية من الحجج التي يتم تغليفها بشيء من النوعية (الجندرية) (انظر في إلسون في هذا المجلد).

تقييم السياسات الاقتصادية وحقوق النساء (باعتبارها حقوق للنساء)

حقوق الإنسان الموضحة في إعلان حقوق الإنسان والاتفاقيات اللاحقة، تشتمل ليس فقط على الحقوق المدنية والسياسية، وإنما أيضاً الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية. إن اتفاقيات حقوق الإنسان التي تم صياغتها خلال فترات الأربعينات، والخمسينات، والستينات من القرن الماضي، فضلاً عن الأدب المكتوب عن حقوق الإنسان على يد القانونيين في مجال حقوق الإنسان، وممارسات مؤسسات حقوق الإنسان كلها كانت في أغلب الأحوال تفتقر للحساسية النوعية (الجندرية). إن التحييز الذكوري الذي تحدثت عنه دايان إلسون في سياق التنمية ظل موضوع يتم التعامل معه بالفحص النقيدي من قبل أنظمة حقوق الإنسان (بيترسون وباريسي 1998؛ نوسباوم 2000؛ فيليبس 2002). حمل هذا النقد أوجه نظرية متعددة، منها ما هو منطلق من موقع نسوي يساري اشتراكي، ومنا ما هو منطلق من موقع نسوي ليبرالي. لكن على أي حال، ظل التركيز في نطاق تطويع لغة الحقوق لتتأثر بخطاب العدالة النوعية (الجندرية) حتى تخدم أهداف المساواة والحرية. تشير دايان إلسون بشكل مستفيض إلى أن الكثير من منظمات النساء حول العالم تواجه المعاناة في الحصول على حقوق الإنسان بالنسبة للنساء باعتبارها حقوق تستحقها النساء (إلسون 2006-ب). كما أن عمل دايان إلسون قد ركز بشكل مقدر على الإدراك المادي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية جنباً إلى جنب مع نقد السياسية الاقتصادية النيوليبرالية باعتبار ذلك آلية للحصول على تلك الحقوق (إلسون 2002-أ، 2012؛ بالاكريشنان وإلسون 2011). لقد قدمت الحجج التي مفادها أن المفهوم النيوليبرالي للمؤسسة الحرة من الممكن أن يؤدي إلى ازدهار المؤسسة على حساب الحريات الإنسانية. في هذا السياق، تقوم دايان بتسليط الضوء والتركيز على أهمية أن تقوم الدولة بواجباتها في توفير حقوق الإنسان وأهمية المواطن الذي يستطيع بشكل منفرد أن يضع الدولة تحت طائلة المسئولية.

تحليل التحولات العالمية في عمل النساء

فضلاً عن التحليلات التي يتم اجرائها في سياق المستوى الكلي، تقوم الأعمال النسوية بالدراسة النقدية والشرح للتقاطعات بين البنية الهرمية للسلطة الذكورية (الأبوية/البطرياركية) ورأس المال في سياق الاقتصاد السياسي اليومي، والهياكل والعلاقات ذات الطبيعة النوعية (الجندرية) في سياق العمل الانتاجي والانجاب. وفقاً لما تم الإشارة إليه أعلاه، فإن أعمال كل من إلسون وبيرسون تساعد في التحليل النسوي للتحول العالمي في عمل النساء، كما أن عملهن المحوري المعنون "الأصابع الرشيقة" لديه موقع خاص ضمن الأدب النسوي. قدم هذا المقال لأول مرة شرحاً للعلاقة الجدلية وغير الخطية بين النوع (الجندر) ورأس المال – حيث وضح المقال أن العلاقات النوعية (الجندرية) غير العادلة لا يمكن ببساطة التخلص منها عبر المرور بمرحلة التطور الاقتصادي. كما أنهن أيضاً قدمن الحجج التي تفيد بأنه بالرغم من أن تضمين النساء في أسواق العمل قد أدى إلى تكثيف وتزايد الاستغلال الذي يتعرضن له، إلا أن معاناة ونضالات النساء من الممكن أن تساعد في بناء هذه العلاقات الجدلية بين النوع (الجندر) ورأس المال، كما أنها أيضاً من الممكن أن "تفكك" أو "تعيد بناء" العلاقات النوعية (الجندرية)  - مما يعني أن تجربة النساء كانت ذات أثر تمكيني وتدميري في نفس الوقت. كانت هذه الحجج ذات طبيعة معقدة، وقد بنيت عليها الكثير من النقاشات والحجج الأخرى التي تم تداولها (بيرسون 1998 وهذا المجلد). إن المعلومات، ووجهات النظر الثاقبة، والايضاحات الرئيسية التي تقدمها هذه المقالية تظل ذات أهمية محورية مستمرة غير منقطعة في السياق الحالي في شبكات الانتاج العالمية وسلاسل الرعاية (انظر في بارينتوس وإيفرس، هذا المجلد؛ إلياس 2004)؛ كما أن أنظمة وعلاقات المراكمة والتراكم ذات الطبيعة النوعية (الجندرية) قد اشتدت وزاد وجودها بدلاً عن أن تتراجع وتضعف (سيقوينو 2000) حتى بالرغم من استمرار النضال ضد ذلك.

الاقتصاد النوعي (الجندري) المخفي غير المدفوع

أعمال بيرسون وإلسون ساهمت في النقد النسوي للطريقة التي تقوم بها حواجز أنماط الانتاج بتجاهل العمل المنزلي. أحد أول المساهمات في هذه النقاشات كانت مارلين وورين التي حاججت بأن يتم اظهار وعدم إخفاء الاقتصاد غير المدفوع الثمن الذي يتضمن تقديم أعمال الرعاية للأسرة والمجتمعات، هذا بالإضافة إلى تقديم النقد حول طرق تعامل صانعي السياسات مع هذه المشكلة (أو فشلهم في التعامل معها) (وورنق 1988؛ إلسون 2000؛ بيرسون 2000-أ، 2000-ب؛ بيشيو 1992). أشارت من قبل الدراسات النسوية إلى أن استمرار تحمل النساء لأغلبية أعباء العمل المنزلي واستمرار عدم حساب قيمة عمل النساء المنزلي ضمن الناتج القومي الإجمالي أدى إلى واقع تكون فيه النساء المنخرطات في أدوار الانجاب بشكل كامل عبارة عن أدوات لتوفير الرعاية، ذلك بالرغم من أن دورهن كأمهات يحصل على التقدير والاحتفاء باعتباره ذو أهمية في إعادة انتاج المجتمع "المتزن". هذه المسألة بالطبع تتخذ أشكالاً وتمظهرات ذات طبيعة وأثر حساس خلال فترات الأزمات عندما يجتمع الضغط المتمثل في الأجور من جهة وغياب دعم الدولة من الجهة الأخرى (تحديداً في سياق الرعاية والعمل المجدي)، مما يؤدي إلى أزمة على المستوى الداخلي الذاتي والخارجي الموضوعي في النظام الانجابي (نظام إعادة الانتاج الاجتماعي) (إلسون، 2010؛ فرايسر، 2011؛ راي وأخرين 2013). إن النسويات الاقتصايات لم يقمن فقط بتقديم التنظير حول العمل في جوهره وطبيعته وطرق قياسه، بل إنما تم تقديم مساهمات هامة في سياق منهجيات قياس العمل المنزلي عبر تطوير أنظمة ونماذج إحصائية واقتصادية. تم المحاولات، على سبيل المثال، في سياق تسليط الضوء على العمل المنزلي غير المدفوع باعتباره يقوم بتقديم مساهمات مقدرة في الاقتصاديات القومية (انظر هوسكينس وراي 2007).

كما أنهن قدمن المزيد من الحجج في سياق شرح وجهة النظر التي تفيد بأن عملية إخفاء أعمال الرعاية والتنشئة الاجتماعية (إعادة الانتاج الاجتماعي/التكاثر/الانجاب) يؤدي إلى تخصيص عمل الرعاية لصالح الخصخصة والتسليع (رازافي 2007)، وذلك بدوره يؤدي إلى "إلغاء ذات الأنثى والتضحية بها لصالح خدمة الدولة" (مولينكس 2006: 437؛ انظر أيضاً بينيريا وفيلدمان 1992؛ بيدفورد 2009). نتيجة لذلك، يحدث تفاقم في عب العمل النسائي بدون أي تعويض لقاء ذلك، كما يتم أيضاً إعادة تشكيل العلاقات النوعية (الجندرية)عبر كل من الاقتصاديات المخصخصة للمنزل من جهة، وعلاقات السوق الليبرالية (السوق الحر) من الجهة الأخرى (بيدفورد وراي 2010؛ رازافي وآخرين 2004).

في هذا السياق، حذرت دايان إلسون وقالت:

"إذا تفاقم الكثير من الضغط على قطاع الرعاية والعمل المنزلي لتقديم عمل الرعاية غير المدفوع بغية التعويض عن الخلل في مواضع أخرى، من الممكن أن يحدث استنزاف للقدرات والإمكانيات البشرية ... يجب على القطاع المنزلي أن يحصل على مدخلات مقدرة من جميع القطاعات الأخرى من أجل الحفاظ على القدرات والإمكانيات البشرية وتحسينها. لا يمكن أن نتعامل معه وكأنه بئر لا قاع له يستطيع تقديم الرعاية المطلوبة بغض النظر عن الموارد التي يحصل عليها من القطاعات الاخرى". – (إلسون 2000: 28)

بالإضافة إلى توسيع مداركنا حول هذه المواضيع الرئيسية الأربعة، قامت النسويات المختصات في الاقتصاد السياسي بتقديم النقد لطرق التحليل الاقتصادي الموجودة مسبقاً عبر مساهماتهن القيمة في تحسين وتطوير أدوات التحليل الاقتصادي سواء عبر تحسين أدوات التحليل النوعية (الجندرية) الموجودة مسبقاً أو عبر تطوير أدوات تحليل جديدة.

مخطط الفصل

كل من الفصول المكونة لهذا المجلد تقوم بالتعامل مع واحد أو أكثر من هذه الموضوعات الرئيسية. تركز إلسون على النوع (الجندر) والسياسية الاقتصادية الكلية في سياق ثلاث أزمات: أزمة الديون اللاتينية الأمريكية خلال الثمانينيات، والأزمة الاقتصادية الآسيوية خلال أواخر التسعينيات، وأزمة الديون الأوروبية التي تبعت الأزمة المالية خلال الأعوام 2008-2009. في خضم الجهود المبذولة لتحسين أدوات التحليل الاقتصادي، قدم كل من فونتانا وفان ستافيرين تحليلاً لمختلف الجوانب لنماذج الاقتصاد الكلي وكيفية تضمين العنصر النوعي (الجندري) فيها بشكل فعال أكثر مما يحدث في الحاضر. قام كل من بارينتوس وإيفرس، مع كابير، بشرح كيف يمكن لعملية اقتصادية عالمية واحدة محددة (وهي تضمين عمل النساء في الانتاج العالمي) أن تمنح النساء القدرة على إحداث التغيير في الاقتصاد العولمي الحالي وتقيدم الشرح والتفسير للعلاقة بين هذه العملية والتقلبات في أوضاع العمالة النسائية (عمل النساء). قدم كل من بريكويل وشانت تحليل لتدخلات السياسة في مجال النوع والتنمية التي تقوم باغفال علاقات القوى على مستوى المنزل، مما يبرهن على حدود هذه التدخلات. يقوم رازافي بشرح وايضاح ساسات الاستثمار الاجتماعي التي شكلت جزء من فترة ما بعد (توافق واشنطن)، كما أنه يقوم باستكشاف تأثيرات تدخلات هذه السياسات على مستوى المساواة النوعية (الجندرية). يقوم كل من بالاكريشنان وتوماس بفحص ماهية حقوق الإنسان ومسئوليات وواجابات الحكومة من موقع  التركيز على الحماية (الرعاية) الاجتماعية. تقوم أيضاً بيرسون بتتبع العلاقات المتداخلة بين الانتاج والأدوار الانجابية عبر عدد من العقود التي شهدت حركة العولمة، كما أنها تحاجج وتطالب بمنح المزيد من الاهتمام بشكل مركزي بدور الدولة.

كما لاحظنا، فإن النقاشات خلال السبعينيات والثمانينيات حول الأدوار المركزية للنساء العاملات في (التقسيم العالمي الجديد للعمل)  قد ارتكزت في جذروها على تحليل الطرق التي تم عبرها استغلال المرأة العاملة في الدول النامية عن طريق الحركة النسبية لرأس المال. مثلت النساء قوى عاملة مثالية لقطاعات انتاج صناعي متعددة، مما منح هذه القطاعات أفضلية وجود قوى عاملة رخيصة الثمن ومطيعة في أجزاء من العالم لم تحصل فيها النساء على خبرة صناعية معقولة، والأهم من ذلك، ولا على صوت في مجال السياسة أو الصناعة. في الفصل الخاص بها والمعنون: النوع، والعولمة، وإعادة انتاج العمل: إعادة وجود الدولة، تُلاحظ روث بيرسون أنه منذ ذلك الوقت، الطرق التي تم تطور بها الاقتصاد العالمي قد أدت عدد غير نهائي من الأشكال المختلفة لأنماط التحرك بالنسبة لرأس المال والعمل. النموذج الأولي افترض أن النساء يحصلن على أجور زهيدة وضعيفة لأنهن قد نشأن في اقتصاديات ومجتمعات جذرت فيهن الزهد، والأجر الضعيف، وجعلت مهاراتهن ضعيفة، ويسهل التخلص منهن، ومطيعات. بالرغم من ذلك، فإن تطور العولمة قد أظهر بشكل واضح أن قدرة النساء على العمل اليدوي الحساس "بأصابعهن الرشيقة" ليس هو فقط ما يجعل العمالة النسائية خيار مثالي لرأس المال العالمي. شهد العقدين الماضيين حركة غير مسبوقة للعمل والعمالة حيث رحلت النساء بأعداد متزايدة من قراهن وبلداتهن ومواطنهن الأصلية – عادة ما يتركن أسرهن للبحث عن العمل في مناطق أخرى. بالرغم من أنهن يتوقفن عن تحمل مسئولية الرعاية لأسرهن في موطنهن الأصلي، إلا أنهن يقمن ببناء حياة جديدة وعائلة جديدة في المكان الجديد الذي يتوجهن إليه. إنهن يقدمن حلول مرنة لرأس المال العالمي ليس فقط في خطوط الانتاج بل أيضاً في سياق التخلي عن الحقوق الاقتصادية المحلية التي تحصل عليها المجتمعات المحلية في الموطن الأصلي. بهذا الشكل، فإنهن لا يتحملن فقط عبء العمل النوعي (الجندري)؛ بل أن الطرق التي تسعى عبرها النساء للحصول على الفرص الاقتصادية من جهة، وإدارة مسئولياتهن المنزلية والانجابية من الجهة الأخرى، تفضي إلى أن يكون النساء العنصر العامل الأكثر مرونة في الاقتصاد العالمي.

في شبكات الانتاج النوعي (الجندري) – الشد والجذب حول المسئولية المجتمعية للشركات؟ يقوم كل من ستيفن بارينتوس وباربرا إيفرس بالتركيز على فكرة أن الارتفاع في مستويات التوظيف الأنثوي للنساء في مناطق الجنوب قد تم نتيجة للارتفاع في الطلب العالمي من ناحية علامات التجارية وبائعي التجزئة من الجهة الشمالية. أدى هذا إلى فرض صبغة أنثوية على التوظيف، وقد تعرضت لذلك بالدراسة والشرح كل من إلسون وبيرسون في عملهن المحوري حول النساء "الأصابع الرشيقة". الكثير من هذه الأعمال النتاجية قد تم التنسيق لها عبر شبكات الانتاج العالمية (GPN) حيث ترأست الأطراف الرئيسية الجاهزة للشراء عمليات التحول العالمي في أنماط الانتاج، والتوظيف، والتوزيع، والاستهلاك. يستكشف هذا الفصل تأثيرات التي ترتبت على تغيير تقسيمات العمل النوعي (الجندري)، والتي بدورها قد تجاوزت الحدود والتقسيمات التقليدية بين الجوانب الانتاجية من جهة وجوانب الانجاب والصحة الانجابية من الجهة الأخرى في كثير من الدول النامية والمتقدمة. يتم فحص هذه العملية عن طريق ثلاث مستويات في شبكات الانتاج العالمي في الجنوب والشمال: 1) صعود التوظيف مدفوع الأجر للنساء باعتباره محرك لتمكين المرأة اقتصادياً من جهة واستغلالها باعتبارها قوى عاملة "رخيصة" وماهرة؛ 2) زيادة تركيز الشركات على النساء كمصدر لزيادة عدد المستهلكين، والذي بدوره يمكن أن يؤثر على الاستراتيجيات التجارية ويجعل النساء هدف لشركات الإعلانات؛ و 3) دور المنظمات الصغير للنساء في المطالبة في تحسين أوضاع حقوق النساء العاملات وتعزيز التجارة الأخلاقية في سياق قوى وسيطرة مشتركة. هنالك حجج تُفيد بأن هذ المستويات الثلاث خلال عملية التغيير تعمل بشكل يتناقض مع بعضها البعض في جوهرها، مما يؤدي إلى فتح الباب نحو تطور النساء وتبعيتهن وخضوعهن في نفس الوقت. بالرغم من ذلك، هنالك حجج أخرى تُفيد بأن شبكات الانتاج العالمي فتحت الأفق نحو منح النساء المقدرة على إحداث التغيير في اقتصاد ذو طبيعة عولمية متزايدة.

تقوم نايلا كابير عبر( صعود المعيلة الأنثى – إعادة ضبط الزواج، والأمومة، والذكورة في الاقتصاد العالمي) بتقيدم الحجج التي تفيد بأن الطبيعة المتغيرة لسوق العمل العالمي قد دفع بالنساء نحو الاقتصاد الرسمي والاقتصاد غير الرسمي المتمدد، مما ادى إلى أن تصبح النساء مجرد "قوى عاملة مرنة بكل معنى الكلمة". إنها تقوم أيضاً بالتركيز على الطرق التي يسعى عبرها الرجال والنساء إلى التأقلم مع هذه العملية التي أدخلت العنصر الأنثوي كعنصر محوري في بنية سوق العمل العالمي عبر فحص ما إذا كان هذا التمدد في عمل النساء في الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي يحمل نتائج تؤدي إلى أزمات في سياق الإنجاب والتنشئة. كما أنها تختم عملها عبر بث الأمل حول إمكانية إيجاد طرق لضبط الأسواق حتى يفسح المجال للقيم غير السوقية التي تتركز في التكافل والتضامن، والأخذ والعطاء، والاعتماد المتبادل الفعال الذي بدونه تفشل محاولات الربط والتكامل بين عمليات الانتاج والأدوار الانجابية (الانجاب).

بناء على أبحات تم اجرائها على المستوى الدقيق في أربعة دول (كمبوديا، وكوستاريكا، والفلبين، وغامبيا)، تستعرض كل من سيلفيا شانت وكاثرين بريكيل التردد الكبير في كسر "المنزل" في التدخلات السياسية في سياق النوع (الجندر) والتتنمية؛ إنهن أيضن يقدمن في الفصل الخاص بهن (إلغاء الصيغة الباطرياركية في أجندة التنمية – الحوجة إلى المزيد من الانخراط في تدخلات سياسات ذات صلة بالنوع؟) بتقديم الحجج التي تفيد بأن هذا التردد يعتبر عاملاً رئيسياً في كبت ومنع التطور والتقدم نحو المساواة بين النساء والرجال. إن "المنزل" عادة يعتبر "مساحة خاصة لا يمكن الوصول إليها" في سياق مبادرات التنمية. بالرغم من أنه يمكن استهداف النساء في برامج مكافحة الفقر، تظل المجهودات الموجهة نحو التعامل بالدراسة والتحليل مع أحوالهن المنزلية وتأثيراتها على مقدرتهن على الحصول على الموارد و"التمكين" قليلة بشكل غير كافي. بالجانب الآخر، الافتراضات المعيارية حول هيمنة وتفوق المنازل التي تبني ويقودها الرجال، في سياقات متعددة، تغفل النظر في أنواع أخرى من الترتيبات المنزلية مثلا المنازل التي تقودها النساء، والتي بدورها من الممكن أن توفر مساحات تتيح تمكين النساء بشكل أكبر. بالرغم من أن القضايا المتعلقة بمؤسسة المنزل مثل التقسيمات المنزلية للعمل، والسلطة، والقيادة قد تم النقاش حولها ودراستها باستفاضة في بعض الخطط والاستراتيجيات لتعزيز المساواة النوعية (الجندرية)، تقدم هذه الدراسات البحثية مبادرات أوسع وأقوى وذات طبيعة جذرية في سياق التعامل مع قضايا مؤسسة المنزل.

تقوم مارزيا فونتانا في الفصل الخاص بها (النوع في النمذجة على مستوى الاقتصاد) بالبناء على النماذج المعيارية للتوزان ذات الخصائص النوعية (الجندرية). وقد تم بناء هذه النماذج (النماذج المعيارية للتوزان/CGE) على يد كل من فونتانا ووود، وهذه النماذج تستخدم للفصل بين المتغييرات الاقتصادية المعيارية بناء على الجنس (مثال على ذلك اعتبار العمل الذكوري والعمل الأنثوي عوامل منفصلة في عملية الانتاج)، فضلاً عن استخدمها بشكل رئيسي في توضيح وشرح وتبيان قطاع الرعاية غير مدفوعة الأجر وتفاعلاته مع قطاعات السوق. كما أنها تشير إلى أن هذه التطورات أتت باعتبارها جزء من محاولة توفير محتوى مستمد من واقع التجربة حول ايضاحات دايان إلسون في سياق المحاججة بأن الاقتصاد لا يمكن اختزاله في السوق، وأن نشاطات الرعاية المطلوبة للانجاب واعادة انتاج البشر القادرين على القيام بالمهام البشرية (التي تقوم بها النساء عادة) يجب أن يتم النظر فيها بعين الاعتبار بدلاً عن اغفالها في أعمال بناء وتصميم السياسة الاقتصادية الكلية. يقدم هذا الفصل بعض الأفكار حول تطور النماذج المعيارية للتوازن التي تستصحب معها الرؤية النوعية (الجندرية) خلال فترة العشرة سنوات الأخيرة. كما أنه يشير إلى أن أغلب النماذج الحالية لديها ببساطة نزعة نحو فصل المتغييرات بناء على الجنس، مما يؤدي في أكثر الاحال، إلى النظر في العمل غير المدفوع كعائق بين مقدرة النساء على التجاوب مع محفزات السوق. يقدم الفصل الحجج التي تفيد بأن النماذج المعيارية للتوازن التي تمثل بشكل جيد أعمال النظام الاقتصادي وعلاقات النوع (الجندر) بداخلها، هي النماذج التي تركز على الدور المحوري والهام للقطاع غير المدفوع ومساهماته في الانتاج وفي صحة ورفاه القوى العاملة.

في فصل كم من روظيكا بالاكريشنان وسونجا توماس (النوع، والسياسة الاقتصادية الكلية، ومنهج حقوق الإنسان في سياق الحماية الاجتماعية)، يتم التركيز على تطوير تحليل نوعي (جندري) واضح لأنظمة الحماية الاجتماعية وارتباطها بواجبات حقوق الإنسان. إنهن يقدمن اللاحظات التي تفيد بأن العالم يعاني من أسوء أوقاته منذ فترات الثلاثينيات من القرن الماضي. في حين ظهرت إحساس الناس في الدول المتقدمة بآثار الأزمة، ظهر أيضاً توافق عالمي على أن الناس الذين يعيشون مسبقاً في الفقر وتحديداً في الدول النامية، يعتبرون الأكثر تأثراً وضعفاً في وجه الآثار المترتبة على الأزمة. إنه الوقت المناسب الآن، أكثر من أي وقت مضى، لنتذكر أن ضمان مستوى حياة ومعيشة لائقة للجميع ليس بمثابة أمر خاضع لخيارات السياسة؛ كما أنه ليس بمجرد فعل تضماني في أوقات الازمة؛ وإنما هو بشكل واضح وصريح عبارة عن التزام من التزامات حقوق الإنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تقدم هذه الأزمة أيضاً فرصة لمراجعة السياسات الاجتماعية وتقوية أنظمة الرعاية والضمان الاجتماعي بشكل محدد في الدول النامية، وذلك بهدف حماية الناس خلال الأزمة وبعدها. إنهن يقدمن الحجج التي تفيد بأن فوائد الحماية الاجتماعية، التي تشتمل على المساعدة الاجتماعية (بدون المساهمة) والحماية الاجتماعية (عبر المساهمة)، من الممكن أن تساعد الدولة في أن توفي بالتزاماتها من أجل أن ينعم الناس بحد أدنى أساسي من الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.

في الفصل الأخير (الأزمات الاقتصادية منذ الثمانينيات حتى فترات 2010 وما بعدها – تحليل نوعي)، تقوم دايان إلسون باستعراض مدى استصحاب التحليل والسياسات الاقتصادية الكلية للنوع (الجندر)، وذلك عبر أزمة الدين في دول أمريكا اللاتينية خلال الثمانينيات، حتى الأزمة المالية الآسيوية خلال نهايات التسعينيات، ونهاية بأزمة الديون الأوروبية التي تبعت الأزمة المالية العالمية في 2008-2009. هل لا يزال يتوقع من النساء بشكل واضح تقيدم شبكة الحماية والملاذ الآمن الأخير في أوقات الأزمات في اقتصاد السوق؟ هل حدثت زيادة في البيانات الاحصائية الحديثة والمحدثة حول أثر الأزمة الاقتصادية في السياق المسئوليات والأدوار الانجابية؟ هل السياسات الموجهة للتعامل مع الأزمات لا زالت تركز على خفض الانفاق العام وتقليله، والذي من شأنه أن يؤثر سلباً على المساواة النوعية (الجندرية)؟ هل هنالك أي حكومات تقوم بإجراء تحليل للتأثير النوعي (الجندري) لمجهوداتهم في الاستجابة للأزمات؟

هذه الفصول مجتمعة تستعرض تطور التحليلات النسوية المتقدمة لأطر وسياسات الاقتصاد على المستوى الكلي والدقيق، والتي ساهمت كل من إلسون وبيرسون في تطويرها بشكل مؤثر وفعال. إن مجهوداتهن الإيضاحية والنقدية البارزة قد ساعدت في تطوير مجالات الاقتصاديات النسوية، والنوع والتنمية، كما أنها فتحت الباب نحو اتجاهات بحثية وتحليلات جديدة في نطاقات حساسة في سياق العمل النوعي (الجندري)، وحقوق النساء، ومحددات الاقتصاد الكلي النوعية (الجندرية).

الخلاصة

إن التحديات المتزايدة في العالم المعاصر تشتمل على: عودة الاقتصاديات النيوكلاسيكية؛ الفشل في التعامل مع الجذور البنيوية للأزمة العالمية الثلاثية المتمثلة في أزمات التمويل، والطاقة، والطعام؛ التهيئة المتغيرة للسلطة الاقتصادية والسياسية في أجزاء مختلفة من العالم؛ التغييرات السكانية (الديموغرافية) السريعة بأشكال مثل تشيخ السكان والهجرة؛ بالإضافة إلى الاستنزاف البيئي والفوضى المناخية. لقد فاقمت الأزمة الاقتصادية الحالية من هذه التحديات كما أنها أدت إلى زيادة الناس ضعفاً.

هل استطاعت النسويات المختصات في الاقتصاد السياسي أن تسمع أصواتهن في سياق هذه التحديات المعاصرة؟ إن الأدلة المتوفرة متضاربة. يستعرض هذا المجلد المنجزات المقدرة للاقتصاد السياسي النسوي والنشاط العام في سياقه. خلال العقود الماضية، أصبحت الميزانيات النوعية (الجندرية) منتشرة بشكل واسع؛ وسهلت قروض التمويل الأصغر وصول النساء للأسواق المالية؛ وأدى النشاط السياسي للنساء إلى تحسين ظروف عملهن؛ والمؤسسات المالية العالمية بما فيها البنك الدولي وحتى المنتدى الاقتصادي العالمي اعترفوا بالجدوى العملية والتجارية للمساواة الجندرية؛ والأهداف الإنمائية للألفية للأمم المتحدة تعكس أهمية صحة وتعليم النساء. بالرغم من ذلك، في أوقات الأزمات، يؤدي استمرار التركيز على إعادة تحقيق النمو بكشل حصري إلى اغفال النقاشات حول العدالة النوعية (الجندرية). كما أن العمل النسوي ظل يحتل مواقع هامشية في الاقتصاديات العامة، ودراسات التنمية، والاقتصاد السياسي، بالإضافة إلى مجال صناعة السياسات على المستوى الوطني والعالمي. وفي سياق قامت فيه أغلب المؤسسات الوطنية والعالمية بتضمين بعض جوانب التحليل النوعي (الجندري) في صنع السياسات، تظل شروط هذا التضمين مشوهة ذات تركيز على التدخلات على المستوى الدقيق بدلاً عن إحداث نقلات نوعية وتغييرات على المستوى الجذري.

وفي سياق التعامل مع الاقتصاد السياسي العالمي من وجهة نظر نسوية، يهدف هذا الكتاب إلى تسليط الضوء إلى ما يمكن أن يتعلمه المحللين والناقدين من وجهات النظر النسوية، بالإضافة إلى ما يمكن أن تتعلمه النسويات اللاتي يستجبن للأزمة الحالية في أمريكا الشمالية وأوروبا من النسويات في الجنوب اللاتي مررن بكافة التجارب، وشهدن أنظمة الحكم ورموز السلطة تنهار، وقدمن تحليلات تقاطعية للاقتصاد السياسي اليومي.

Comments

Popular posts from this blog

الترجمة الانجليزية لقصيدة محمود درويش "من أنا بعد ليل الغريبة" — The English language translation of Mahmoud Darwish Poem “Who Am I After The Stranger’s Night?”

نحنا مع الحكومة - الثورة مبارية الزلط

Al-Burhan and Hamdok Agreement: English Language Translation